vendredi 6 janvier 2012

"الفساد المقدّس" 1...الأطر الفكرية

دولة الفساد و أركانها لم تزل الى يومنا هذا رغم انهيار بنيانها ، بنيان لطالما ظلّت ترفرف فوقه رايات تشي شعاراتها للناظرين بزخرف القول غرورا ، لكنها كانت تخفي خلف حيطانها صرخات  كلمى بضيم و جور لطالما  ظللوها بتلك الشعارات و تلاشت بين زوايا أركان بنيانها، انهارت "معالم" دولة الفساد و لم تتداعى أسسها بعد....
و اليوم أصبح الشعب يعيش على وقع جدل ساخن حول اولويات  و مطالب اجتماعية و حقوقية  كانت المحرك الاساس لاسقاط معالم الفساد و اقطابه ، جدل حول ترتيب هذه الأولويات و حول آليات تحقيقها و عن التصورات المثلى لما يمكن ان تكون عليه او فلنقل لحدود امكانية تطبيقها و جعلها واقعا ملموسا في  الامد القريب ، قضايا : التشغيل و التنمية الجهوية و العدالة الاجتماعية ....
و بين هذه و تلك ، نجد أنه قد تم الاجماع بالفعل على قلة الآليات الاصلاحية التي أجمع عليها اليمين و اليسار السياسي في تونس على آلية : المحاسبة فالمصالحة  في حل ملفات الفساد المتراكمة ،و مد جسر العبور الى مرحلة الدولة الحديثة ، إجماع أغلق من غير إستفتاء للرأي العام و لسوؤ الحظ  : جدلا واسعا كان قابلا للطرح حول سبل "القطيعة " الفعلية و الحازمة مع "الأسس" التي بني عليها فساد الجمهورية الأولى ، جمهورية الاستقلال ، أسس كرست "شعارات" وهمية لقيامها ، شعارات أثبتت أنها جوفاء ، أنها أوهن من بيت العنكبوت ، و اليوم على وقع تبني هذه الآلية ، نرى أن أسس الفساد التي لم تتداعى بعد ، و قد تبنّت هي بدورها و كورم سرطاني يقض أركان الدولة الفتيّة ، دولة ما بعد الثورة  ، "شعارات الثورة" و لتنتقل بطريقة أو بأخرى و "باستحقاق" من وضع الدفاع الى وضع الهجوم و تصبح "المحاسبة" انتهاكا لحريات مدنية ، و "المصالحة" آلية الانتقال الى وضع "الفساد المقدّس"......
                                                                                               

-"الفساد المقدّس" هي  أفكار و أطروحات أرسيت دعائمها قديما في حقبة ما بعد الاستقلال ، و كانت أبرز عناوين مرحلة الضيم الاجتماعي و التلف العقائدي و الفكري  و الديكتاتورية التي  عاش على وقعها أبناء دولة الاستقلال و بنيت  على دعائمها مؤسستها .
"الفساد المقدس" أطروحات كان ورائها منظرون فرادى و جماعات  غير مستقلة لا فكريا و لا حتى سياسيا في بعض الاحيان ، بل هي تكاد تجزم في كل مناسبة ترسي فيها قيم الرذيلة على أكوام شعارات براقة المفردات خبيثة المعاني ، أنها ما فتئت تمارس الارتزاق الفكري و السياسي منذ أن أختيرت كي تكون أذناب بقايا دولة المستعمر البائدة ...
"الفساد المقدس" عم أركان دولة ما بعد الاستقلال في شتى ميادينها ،  على المستوى الاجتماعي  ، الاقتصادي ، السياسي ، و الأخطر من هذا كلّه : "الفكري"...

في قضايا الفكر : 
 علاقة الانسان بالدين في الدولة المدنية ما بعد الاستقلال: 

لربما كان العنوان الابرز لهذه القضية هو الشعارات التي لطالما صدحت بها ابواق  العلمانيين : الدين لله و الوطن للجميع !!....التلبيس و التدليس  ....
 هو حق اريد به باطل....
فإنه منذ قيام الخلافة الراشدة  بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم لم تعرف الأمة يوما و لا اجتمع لواء جيوشها لدهر حكم فيه خليفة يدعي أن أمره هو من أمر الله و خلافته من اصطفاءه إلا من شذ من رعاعها من فرق الرفض و التصوّف الغالية أو ما عرفت فيما بعد بالفرق الباطنية ....و قد اتخذوا(العلمانيون على رأسهم) من المقولة الشهيرة : أن السلطان هو ظل الله في الأرض ، كون هذا السلطان مقدّس شخصه غير مردود أمره و لا يجوز بأي حال خلعه أو نقده أو مراجعته و هذا كلّه هراء يردّه التاريخ و وقائع القوم المشهورة و كلام العلماء فتاويهم و اجماعهم أنه ليس بعد رسول الله بشر الا و يؤخذ من كلامه و يرد عليه ....
علاقة الانسان بربّه أو دين المرء تحت ظل هذه الدولة هو دين "الارجاء" حقا   ، فلا كبائر يقام الحد على مستحقها ،عدا تلك التي واطئها المشرع المدني قصدا أو سهوا ، و لا ذنوبا يقرّع عليها مقترفها حتى يثاب لرشده و ينزع عن غيّه ، الا ما وافقت فيها القيم المدنية ( أو فلنقلها على سجيّة أهلها : قيم الحضارة الغربية ) الدين الرباني ...
فيما عدا ذلك فقد علت بيارق الرذيلة على حطام الفضيلة في مجتمع صار "الحياء شرا كلّه" ،و قديما قيل : إن لم تستحي فاصنع ما شئت ...
علاقة المرأة بالمجتمع :
هو سوق ازدهرت فيه صناعة "الأوثان" الفكرية للتغرير بالمرأة التونسية و الزج بها في أتون حرب مفتعلة لا ناقة لها فيها و لا جمل جاعلين من أوثانهم أبطالا لمسرحية  ذات اخراج مكرر يلعبون نفس الادوار "الدونكيشونتيّة"  في محاربة قيم "التخلّف" و "الاستبداد الديني " و التعصّب الفكري و المذهبي ، فنبغ فيمن هم ليسوا أهل للنبوغ الا فيما لا نُبغ فيه  : الطاهر حدّاد و المجاهد الأكبر في دفع وازع الدين عن هويّة المواطن الحبيب بورقيبة ، و أقروا تلبيسا و زورا أنه لا حريّة للمرأة الا في التحرر من مستور الحال و الثياب الى السفور الخُلقي و الخلقي ..
الأخطر من ذلك أن يتآمر هؤلاء على امرأتنا فينصون في مجلة "أحوالهم الشخصية" على نزع العصمة من يد الرجل و الغاء التعدّد و ايحال مترتبات هذه القرارات الهدامة و ما ستقره من مشاكل و أمراض نفسية و اجتماعية فيما بعد الى يد المحاكم المدنية العاجزة _(الا في البت في القضايا بتطبيق قوانين آلية ) عن حل اشكالات تراكم مطالب الطلاق و التفتت الاسري و الاخلاقي اذ أن المشكل قد كمن في أسس هيكلة الاسرة التونسية في المجتمع الجديد لا في أعيان أو حالات شذت عن المألوف أو حادت عن الالتزام العرفي و القانوني ، فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ...

 التراث الفكري و التاريخي بين جحود السلف الاسلامي و استعراض العهد الوثني :

تونس أرض تلاقح حضاري و ثقافي منذ عصر ما قبل التاريخ ساعدها في ذلك موقعها الجغرافي المنفتح على دول حوض المتوسّط أين ازدهرت أرقى الحضارات ، تونس شهدت لبرهة غير طويلة قياسا بعمر غيرها من الحضارات المزدهرة ، ازدهار حضارة في ربوعها قبل أن تسقط تحت حنكة قادة قياصرة الروم و تستنزف مواردها و يستعبد أهلها طيلة قرون من الزمن ، حتى جاء الله بالفتح من عنده و على يد قوم من العرب  جاؤوا ليبشروا بالدين الجديد و يكملوا تبليغ الامانة التي أداها لهم النبي الأمي صلى الله عليه و سلم ،  نفر منهم السكان الاصليون بداية و تمالؤوا عليهم مع المستعمرين القدامى و عدوهم غزاة جددا ، لكن مالبث أن دانت لهم رقاب البلاد و العباد  بقوة الكلمة و حدّ السيف فانحازت لهم قلوب الخلق  و تعلقوا بالدين الجديد بل استلموا راياته و قادوا جيوشه ثم كان أن عمرت بهم فوق ربوعها أقوى الحضارات بالحوض المتوسط طيلة القرون الوسطى حتى استحالت دول و شعوب عريقة التراث و التاريخ تتحدث لغتهم و مفرادتها عالقة بألسنتهم الى يومنا هذا ( كلسان أهل جزيرة صقلية ) و تتخلق بأخلاق تجارها و تترجم من مراجعهم العلمية كتب المعارف و العلوم الطبيعية و الانسانية .....
غير أن أجيال دولة ما بعد الاستقلال ما فتئت تتعرض لحملة  تغريبية صرفة تتمثل في  فرض مقرراتها الدراسية منزلة من أروقة صناعة القرار بالشونزيليزيه ، كان من محتوياته في مادة التاريخ : استعراض تاريخ دول الشرق الاوسط الاسلامي الى حدود دولة المأمون المعتزلي و اعتبار الفتح العثماني بعد ذلك غزوا ، هذا في مقابل التبسّط "الاستعراضي" و الممّل بتاريخ "قرطاج الوثنية" و آلهتها و حروبها مع روما القيصرية و عرض "المخازي" في صورة "الانتصارات" و الانبطاح في صورة الانفتاح و الازدهار ، فتونس مطمور روما و ما أدراك لم تكن يوما إلا امتدادا "للحضارة الغربية" في تجربة لا نظير له في ربوع دول جنوب الحوض  المتوسط و هي تجربة "قابلة للتكرار" في عرف هؤلاء ...


من هنا بدأ التآمر على التراث الفكري و التاريخي لتونس ما بعد الاستقلال و كان ذلك مقدمة للتشكيك في هويّة المجتمع و اعادة تشكيل ثقافة مجتمع جديد ، ثقافة جاهزة في قوالب مستوردة سيغدو ابانها من السهل التعامل مع الاعراف و بقايا التقاليد الموروثة و التي أبقت على فتات الهويّة و قيم الفضيلة التي رسخّها الدين و حفظت بقيّة حياة في مجتمعنا،،،
ثم تم التجييش لهذه الثقافة نخبويا و مؤسساتيا و اداريا  مع تماشي هذا المخطط و تضافره مع مؤامرة تجفيف المنابع و الغلق أو التضييق على المؤسسات  ذات الطابع الديني كجامعة الزيتونة العريقة ، و كذا فعلوا في حق العلماء والمفكرين المستقلين ذوي المرجعيات الأثرية والعروبية في شتى الميادين ،  تم التضييق عليهم و اقصائهم بل و تخطى الامر الى تصفيتهم أحيانا ، قابلته سياسة بناء  نخبة فكرية علمانية راديكالية الملامح تكون "الحاضن" الرسمي و المبدأي لثقافة البديلة المزمع انشائها و ترسيخها في فكر الشباب الصاعد ، عن طريق تبنّي أطروحاتهم  في المقررات الدراسية الثانوية و الجامعية في المواد الادبية كالتاريخ و الفلسلفة ....
نرى أن أطروحة بعضهم في ما يخص بدأ تدوين التاريخ الاسلامي و مسألة نقد التاريخ الى الطعن في عدالة أسانيد من عدلوا من قبل العلماء الى الطعن في بعض أعيان الصحابة جملة و تفصيلا ، قد أصبحت مذهبا مقررا في كلياتنا الادبية و نستطيع أن نقر بأن أجيال الناشئة في سبعينيات دولة ما بعد الاستقلال الى آخر العهد البائد قد شهدت أعظم حملة دمغجة فكرية  في ما يخص التراث و التاريخ و لكم في الاطروحات الفكرية التي يتبناها معظم خريجي المعاهد العليا في السلك الادبي خير دليل ...
هذه الاطروحات لعبت دورها في صعود "نخبة يسارية" تتخذ من معاداة ما يسمونه بالفكر الرجعي  (أو بعبارة ديبلوماسية "كلاسيكي") السائد في المجتمع ، عقيدة فكرية و منهجا فارقا في التأصيل الفكري و العقائدي ، و لابد و أن فوز الاسلاميين مؤخرا و سابقا في أوائل العهد النوفمبري بالانتخابات قد يظهر لهذه النخبة  حجمها القاعدي على حقيقته و أنها ليست  في النهاية الا نخبا معزولة ، و لكن يجب أن لا نبالغ في الاطمئنان المفرط ذلك أن كثيرا من أطياف الشعب لا تبدي ارتياحا كبيرا لذوي الاتجاهات السلفية و الطابع الديني و هذا ما يعكس نجاحا نسبيا و تورطا ملحوظا للعمل الدنيئ التي أقدمت عليه تلك السياسات المكرسة ل "أسس الفساد" في دمغجة المجتمع و تشويه قيم الفضيلة التي كرستها شريعة الاسلام كفضيلة الحجاب و اطلاق اللحيّة و حفظ المرأة في بيتها و ذم الاختلاط بين الذكور و الاناث بعد سن البلوغ ... و غيرها كثير مما أصبح النقاش فيه يجلب لصاحبه الشبهات و يثير من حوله "الاشمئزاز" حتى بعد السقوط المدوي "لأقطاب" دولة الفساد ....

 دولة الفساد عششت و بنت أسسها المتعفّنة في جميع الميادين و ضربت بقوّة على الصعيد الفكري حتى يكون له أبلغ الأثر في تطويع المجتمع لسياسات كانت مخططة عن سبق ترصد و اصرار ، و لا  ينطلي بالفعل الا على الانوك أن النوايا كانت طيبة و أن أولئك الرجال كانوا الدمى  التي كانت تؤدي اللإيماءات المسرحية دون وعي أنها كانت مسيّرة بخيوط رجال "الظل" من وراء كواليس المشهد السياسي ....

"الفساد المقدّس" هو سمة الملفات اللتي لم تعالج بعد و بدأت تستعصي على حكام تونس ما بعد الثورة و تثير البلبلة و الجدل في صميم الرأي العام بله النخبوي ، "للفساد المقدّس" أٌطر أُخر سنتناولها بالحديث ان شاء الله ....











Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire