mercredi 1 février 2012

الإعلام التونسي تحت سيطرة نخب مؤدلجة و بؤر الفساد : التائه في نفق مظلم

يشهد القطاع الإعلامي في تونس هذه الأيام تجاذبات متواترة لا يخفى على أحد أن جوهرها ايديولوجي صرف !!
يحدث اليوم الأربعاء بتاريخ 1 فيفري من عام اثني عشر و ألفين تصعيد  خطير  في لعبة ليّ الذراع بينها و بين الحكومة تحديدا و لو أن القطاع الإعلامي لم يتوجّه صراحة بسهام النقد صوب الجهات الرسميّة إذ أنهم الى الإن حريصون على عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع "الشرعية" و هم أعلم بمدى  خطورة هذه الخطوة الانتحارية .. إلا أنهم أقدموا على  عمل احتجاجي نوعي إذ قامت التلفزة الوطنية و مواقع الصحف  و الإذاعات   بتوشيح واجهتها بشريط أسود حمل شعار : " لا للإعتداء على الصحفيين لا لحد من حريّة التعبير و للوصاية على الإعلام " !! ...زعموا...
نحن لن نشكك في نزاهة كل العاملين  بقطاعنا الاعلامي فهذا ضرب من الحيف و شهادة الزور و لا نشك أن كثيرا من العاملين بهذا القطاع قد سئموا  تواصل نفوذ الكثير من رؤوس الفساد و الوجوه التجمعية في هذا القطاع :  خذ قضية إذاعة المنستير مثلا و إقدام القيمين عليها على طرد  كفاءة  صحافية  لأسباب بعضها ايديولوجي كونها "متدينة"   و على خلفية اثارتها لقضية الفساد في القطاع الإعلامي السمعي البصري و هو السبب المباشر  لإقصائها من الإذاعة ....غير أن القطاع لم يحرّك ساكنا حينها و لم يعرّج و لو بتلميح حول هذه الحادثة الخطيرة التي تهدّد فعليا المسار الثوري و تكشف عن بؤر الفساد التي عششت كالطفيليات في صميم قطاعات الدولة كلها   فيما زالت عفونتها بمفعول العمل الثوري ....
من رائع الصدف أن  أشهد تدشين هذا "اليوم الاحتجاجي" بمنوعّة "صباح الخير" الوطنية ، خصّصت التلفزة خلالها جزءا من الحصّة  للحديث عن "أزمة النقاب" و اللباس "الديني" أو بالأحرى "السلفي"الذي تفشى في أيامنا هذه و خلق دوامة من التجاذبات و المشاحنات شبه اليومي في المجتمع و إن كان لا يخفى على منصف أنها "أزمة مفتعلة" ، و لكم أن تخيلوا ضيوف الحلقة المبجّلين لتحليل عمق هذه الظاهرة و أسبابها و آثارها على مجتمعنا التونسي ...


أحد الضيوف  الأستاذ في علم الاجتماع العروسي" العامري" ، تناول تحليل هذه الظاهرة من منظور تاريخي و اجتماعي بحت : فقد ادعى الأستاذ المبجّل أن هذا اللباس كما زعم كذا واحد من نخبتنا العلمانية المثقّفة ، أنّ هذا اللباس دخيل على عادتنا و تقاليد المجتمع التونسي و أضاف : بل إن الأمر يتجاوز اختراق المنظومة التراثية و الثقافية التي يعكسها اللباس الاجتماعي السائد في أي مجتمع انساني الى ما سماه "مساسا بالذوق العام" !!...قال " من يلاحظ خاصيات اللباس السلفي الذي درج على ارتداءه  أنصار هذا التيّار و شبيبته أنه خليط فلوكلوري لعدة مجتمعات : على صعيد الرأس هو خليجي !! ...و على صعيد الجذع هو أفغاني !!؟؟ ...و أسفل الحزام هو "تونسي" ( لاحظ هذه المغالطة  هل شاهدتم سلفيا يرتدي السروال التقليدي الفضفاض ؟؟ ...أنه يعني سروال "الجينز" الأمريكي !!)...قال الأستاذ " و هذا فيه مساس بالذوق الاجتماعي العام و تعدّ على تراث و أصالة المجتمع !!
 و هنا يتوقف  ليبيّن من منظوره التاريخي الخاص به المليء بالمغالطات أنّ أصل النقاب (أو ما عدّه هو و المقدّمة و كذلك الضيف الآخر الذي سأعرج على ذكره لاحقا : لباسا سلفيا ! ..) هو من تقاليد اللباس النسائي الأفغاني !! ...و أنه انتقل  ( هو عالم اجتماع و لم يخبرنا كيف حدث هذا ؟؟ ) الى دول الخليج فانتشر و أصبح ظاهرة  اقليمية !!...
بالطبع الأستاذ يا إما هو مزجى البضاعة في علم السنة النبوية و السيرة  أو إنه يتغافل عن ايراد أثر عائشة أم المؤمنين عامدا ، حيث ذكرت أن رسول الله صلى اللله عليه و سلّم قد رخّص لها في اسبال غطاء الوجه ( النقاب في عصرنا) عند الاختلاط موسم الحجّ رغم نهيه سائر النساء عن ارتدائه هو و القفازان عند القيام بالمناسك ....بالطبع لسنا الآن في خضم الدخول في مناقشات أصولية حول شرعية النقاب و حكمه الشرعي في الدين لأن هذه المسألة استنفدت حقها من النقاش و لأنني لست من أهل العلم الشرعي و لو أنني أزعم أنه لو خوّل للأستاذ الفاضل الدخول في  مناظرة فقهية حول شرعيته مع شاب سلفي له أبسط مقومات طلبة العلم الشرعي إذا لأفحمه الشاب السلفي !!.... و لكننا نعلم  جيدا أكثر أطروحات نخبة علمائنا المؤرخين الذين نهلوا من نهر علم كبيرهم الأستاذ "الشرفي" و اعتقادهم في الأثر و السنّة و هو اعتقاد "استشراقي" بحت  قائم على أنكار السنّة و الطعن فيها و القاء التهم و الافتراءات اللاعلمية جزافا على الصحابة و رواة الحديث  و على رأسهم أبو هريرة  رضي الله عنه و المنصف منهم يلقي باللوم و يرمي سهامه تجاه الدولة الأموية و ما اقترفته ( زعموا ) من جرائم في حق التاريخ الاسلامي ....
لكننا لا نريد الاجحاف و لا نبغي المجازفة في حق الأستاذ ، و سهام نقدنا هنا هو عدم تطرقه لأزمة اللباس التقليدي الذي أصيب في مقتل منذ الإستقلال و تعرّض إلى حملة استئصال ممنهج زمن العهد البورقيبي البائد !
لدرجة أن الأستاذ "زلعها" ( و أعذروني على استعمالها ) أكثر من مرّة في خضم التأكيد على ضرورة التمسّك و المحافظة على الأصالة الثقافية و التراثية للمجتمعات المتحضّرة لا سيّما و أن اللباس هو بلورة لهذه الثقافة و التحضّر في واقع هذه المجتمعات ، لا أدري هل يرى الشباب التونسي ملتزما بهذه الأصالة و المنظومة الإجتماعية قبل "تسلّل" اللباس السلفي الى مجتمعنا التونسي ؟ ...إن كانت الاجابة هي نعما فقد أقام الحجّة على نفسه و كفى بهذا شهادة على انخرام الموضوعية و التقصّي العلمي في تحليله للظاهرة إذ من المعلوم عند كل عاقل أن مجتمعاتنا العربية لا التونسي وحده قد  أختطفت من أيدي نخبها الفكرية المستقلة منذ أكثر من عقدين  بتواطئ الجهات الرسمية العميلة حينها و انخرطت ثقافتنا في دوّامة العولمة المكتسحة لكل الخصوصيات الحضارية  للشعوب على وجه البسيطة حتى خرج علينا صامويل هنتنجتون بنظريته الشهيرة في مؤلفه المشهور "صدام الحضارات " كتنبأ مستقبلي الى ما سيؤول اليه الصراع الفكري و الايديولوجي الذي قادتهم اليه "عولمتهم" خاصة ضد المسلمين !!


و إن أجاب نفيا فكما سبقنا بالذكر آنفا حول تغاضي الأستاذ الذي بدا متعمدا للتطرق الى حيثيات هذه الظاهرة و تناولها من منظور اقليمي و دولي  عام و موضوعي مع ما سبق أن ذكرته من اقترانها بعوامل سياسية و اقتصادية معظم الوقت لا الاقتصار على ظاهرة "اللباس السلفي" الذي بدا في الواقع ( على رغم من من بعض الملاحظات التي نوافق فيها الاستاذ من أهمها عدم التقيّد بلباس واضح الملامح بالنسبة للذكور) صرخة مقاومة ضد العولمة الفكرية ذات القطب و المنبع الأحادين لا اجتياحا و غزوا "بربريا" كما صوره هو على الأصالة و الذوق الاجتماعي العام !!
...المقدّمة بدت حائرة و لم تكن مسيطرة على دفة الحوار و كما هو الصنيع الدائم الذي عودنا به الاعلاميون النجباء فإن منظورهم للثقافة  يقتصر في اطاره الاصطلاحي عندهم على "الفن" و الغناء و السينما و المسرح ، أو بالأحرى على العهر الفكري !!
الضيف الآخر ( نسيت إسمه) و رغم أنه  كان البادئ باستعراض رأيه من منظور اجتماعي و نفسي حيث إدعى ثالثة الأثافي "أن النقاب بالتحديد يشكل مانعا اجتماعيا للتواصل و بالتالي للنهوض الفكري و الحضاري" ....لن نغوص طويلا في نقاش جدلي حول  مدى موضوعية هذا الطرح ، و لكن نطرح  بعض الإشكاليات التي قد ترد على خاطرة المتفرج : و هل يقتضي هذا التواصل و الحوار  بين طرفين أكيدا أن يطلع كلاهما على ملامح الآخر حتى نبني هذا المسمى الحضاري الذي اتفقتم على تسميته "بالتواصل" ؟؟
ان كانت الاجابة بنعم فهل هذا يعني اقراركم بضرورة الانسجام "الجسدي و المادي" اضافة للروحي حتى نبني دعامة  "تواصل" حقيقي و حضاري بنّاء ؟؟ ..ألا يقودنا ذلك إلى الخوض في منعرج خطير قد يضع علامات استفهام حول ما يراد به من هذا "المفهوم الاصطلاحي"= التواصل ، إذ أن هذا قد يحيلنا الى بحث حول ضرورة الاندماج الصوري أو القبلي و العنصري بين الطرفين للقيام بهذا التواصل على أكمل وجه و في ذلك نسف لمفهوم التواصل الحقيقي كما نعرفه حقيقة و كما عُلّمناه من كتاب ربنا : و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ....هذا لأن علّة  تمسكّه بضرورة الإنفتاح  المادي بشقيه البصري و السمعي بين أطراف التواصل تفيد احتمالين  : إما نفور و إما إقبال و هذا و لا شك أمر حادث في  الفطرة الانسانية نتيجة  إفرازات المجتمعات البدائية التي سبقت تحولها الى الحضارة  ، و لأجل ذلك كان "التواصل" "الخطابي"  و "الفكري"  عاملا مساعدا على ازاحة عوائق التواصل جانبا و معنى الآية الكريمة : أن الاختلاف الفكري و العرقي هو سبب التواصل و غايته خاصة أن أساس الأمم اليوم هي نتاج انصهار قبائل و شعوب مختلفة الأعراق في رقعة جغرافية في زمن ما.
ثمّ ألا ينسف هذا الأطروحة التي يروجها أولئك الذين يزعمون أن وسائل الإتصال الحديثة قد أسست ثقافة تواصل عالمية متطورة لا سابق  لها جعلت من هذه الكرة الأرضية الضخمة الأبعاد أشبه ما تكون بقرية صغيرة ! ، و هي القائمة أصلا على حاسة "السمع" و التواصل الافتراضي دون التطرق في معظم الوقت الى الاتصال المباشر سمعيا و بصريا بين طرفين تحول بينهما مسافة جغرافية  هائلة ،  نضرب جدلا الاعلام البديل كأطروحة مضادة لهذا الطرح و الذي أسّس لثورات تاريخية على أنظمة ديكتاتورية عسكرية في المنطقة  ؟
إن الدخول في متاهة الاجابة حول هذه الإشكاليات سيقود الأستاذ الفاضل حتما إلى أن يناقض نفسه ذلك أن الواقع الانساني و الحضاري يكذّب طرحه ، أو أن يتخلّى عن أطروحته "الممنهجة" أصلا لصرف أنظار فتياتنا عن هذه السنة الحسنة و بأسلوب حواري راق عقلاني و سلس !
....كل ما ذكرته  آنفا كان مجرد قوس أطلت النقاش فيه لمعنى في نفسي ، و أغلقه باستنتاج بسيط : هذا الإعلام  بالتوازي مع عمله الاحتجاجي الذي يسعى فيه كما زعم الى تكريس أسس إعلام حر و مسؤول ، ها هو على الملأ يمارس سياسة الدمغجة الفكرية بأسلوب ماكر و يرسي سياسة اقصاء الرأي المخالف كونهم لم يستضيفوا  أحدا من المعنيين بالموضوع الشرعي القهي أساسا و لا حتى شاهدا محايدا أو شابا سلفيا أو فتاة منتقبة كي يناقشوا الظاهرة تحت ضوء علمي و تحليل موضوعي ....
كنت أستمع لحوارهم و أنا أنظر بالتوازي الى الشعار الموشّح بشريط أسود ...خطر ببالي أبيات شاعرنا الفذ أبو القاسم الشابي في آخر رائعته الشعرية " فلسفة الثعبان المقدّس" :
و كذلك تتخذ المظالم منطقا عذبا لتخفي سوأة الآراب !!!





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire